هنالك علاقة بين علم الجريمة وبين سائر العلوم الاخرى مثل العلوم الإنسانية، ففي الحضارات القديمة ينظر إلى الإنسان الذي يخرج عن السلوك الطبيعي ويرتكب الجريمة بأنه لدية تركيب عضوي ونفسي دفعه إلى ارتكاب الجريمة بسبب الاضطرابات العقلية والنفسية، كما وظهرت عدة مدارس في هذا الشأن ومنها:
- المدارس اعتمدت على الحالة النفسية في دراسة الجريمة، وبررت ذلك في أن الحالة النفسية فقط هي التي تجعل الشخص يقوم بارتكاب الجريمة.
- مدارس اعتمدت على البعد البيولوجي وقالت إن طبيعة التركيب البيولوجيّ للمجرم هي التي تجعله يرتكب الجريمة.
- مدارس اعتمدت على العوامل الاجتماعية معتبرةً المجرم شخصاً مجبراً على فعله المنافي للمجتمع، وفي نفس الوقت تنظر إليه على انّه فرد صالح.
- مدارس قالت ان هذه العوامل جميعها تشكل كياناّ واحداّ، وباجتماعها تتوفّر مسوّغات الجرم عند الإنسان.
لذلك، وتبعاً لهذه المعطيات نرى بعض العلماء يقدّمون تفاسير متعدّدة للجريمة تتراوح بين اعتبارات خَلقيّة كعيب خلقيّ مثلاً، كالخلل الحاصل في الدماغ والمخ، والبعض الآخر درس الجريمة بطابع التحليل العلمي مثل العالم الفرنسي (جيري) والعالم البلجيكي (كتيليه) حيث درسوا الجريمة بنحو إحصائي وقالو إن العوامل التي أحاطت الجريمة كانت كلها عوامل مساهمة في تكوينها.
في الواقع عندما نريد أن نتحدث عن نشوء علم الجريمة لابد من أن نذكر الطبيب الايطالي (سيزار لومبروزو) حيث يعتبر صاحب البصمة الأساسية في هذا العلم إذ تطرق إلى التكوين البيولوجي للإنسان المجرم وبدأت القصة لدى هذا الطبيب عندما دخل معسكرات الجيش الايطالي لاحظ بعض الجنود يضعون الوشوم على أجسادهم وكانت هذه الوشوم غير اخلاقية وتختلف عن الوشوم الموضوعة من قبل باقي الجنود وايضا لدى زيارته إلى عدد من السجون لاحظ بعض المجرمين يضعون وشوم لها ارتباط بالجرائم والأفعال التي قاموا بها ولم يكتفي بهذه الملاحظات وإنما تعداها إلى دراسة أعضاء الإنسان من حيث (الشكل , الطول أو قصر الجمجمة، شكل الأنف، الشفتان) وكما بين في كتابة الذي تحدث فيه عن تركيبة الإنسان المجرم.
وقد تعرض هذا الطبيب للنقد من قبل بعض العلماء: كون البعد البيولوجيّ لا يمكن التعويل عليه فقط في معرفة الإنسان المجرم، بل لابدّ من وجود ظروف أخرى أدّت لارتكاب الجريمة.
وكان من أبرز تلاميذ لومبروزو (رافائيل كاليمارو) وهو فقيه قانوني مخضرم، لم ينفِ أهمية الدور العضوي والتقسيم الذي أتى به لومبروزو في شرح الجريمة والإنسان المجرم ولكن أردفه بالظروف الاجتماعية وقال إن لها الدور الأساسي في ارتكاب الجريمة.
إن هذه الدراسات ساهمت في بناء وتأسيس (المدرسة الايطالية الحديثة) التي تأسست على يد العالم (إنريكو فاليري) صاحب كتاب (علم الاجتماع الجنائي) في نهاية القرن التاسع عشر ومن أهم نتائج هذه المدرسة أن (هناك حتمية في ارتكاب الجريمة) وأن هذه الحتمية تعني أن هناك عوامل اجتماعية دفعت الشخص لارتكاب الجريمة وأن هذا الشخص مرتكب الجريمة هو ضحية المجتمع وليس مجرم، وقالت المدرسة (بمسألة التدابير) وهي التي يجب التعامل مع الجريمة ومن خلالها تُستبدل العقوبة بالتدابير الاجتماعيّة كون الإنسان ضحيّة السلوك الاجتماعيّ.
وعليه فالمدارس الجنائيّة في هذا الصدد التي يمكن الإشارة إليها هي:
1- المدرسة البيولوجية:
من أبرز ما جاءت به هذه المدرسة، تصنيف المجرمين، وأصّلت لفكرة المجرم بالفطرة أي المجبور على ارتكاب الجريمة طبيعيّاً، وهذا ما جاء به الطبيب (سيزار لومبروزو)
– شارلي سكونيك: قام هذا العالم بدراسات لمدة (12) عام لاحظ من خلالها المميزات العضوية للمجرمين وأن المجرم يميل الى قلة الوزن أو القصر على سبيل المثال.
– العالم هوتون: هذا العالم لاحظ خلال دراساته ان المميزات العضوية للمجرمين تختلف فيما بينهم فبعضهم يقومون بارتكاب جرم دموي أما البعض الآخر يقومون بارتكاب جرم أخلاقي ومن هنا تبين لهذا العالم أن البنية البيولوجية ليس وحدها عامل في ارتكاب الجريمة بل ترتبط بجريمة محددة كذلك.
– العالم دي توليو: قال إن المجرمين لديهم دوافع داخلية لارتكاب الجريمة.
2- المدرسة البيولوجية الحديثة:
أخذت هذه المدرسة طابع خاص مع العالم (فرويد) حيث قسم النفس الإنسانية إلى ثلاث أبعاد (الذات، الأنا، الأنا الأعلى)
– الذات: يقول هذا العالم أن الميول والاتجاهات الفطرية الموجودة لدينا بلا شعور هي مقرها (الذات)
– الأنا: يقصد بهذا البعد محاولة الإنسان لتعديل هذه الغرائز والميول والاتجاهات اللاشعورية الموجودة لتكون ملائمة للوضع الاجتماعي الموجود الإنسان فيه والذي يريده.
– الأنا الأعلى: ويعني هذا البعد عندما تعجز مرحلة (الأنا) في تعديل الميول الغريزية الموجودة في (الذات) فيأتي (الأنا الأعلى) ويرتكب الجريمة التي طغت على ميوله.
يتبع……..



