تزكية النفس
نُشرت
يشارك

ما هي تزكية النفس؟

لماذا تزكية النفس؟

ألم يتعب الإنسان من تكرار هذه المصطلحات المعلّبة التي لم يعد يهتمّ بها؟

هنا المركز الإسلاميّ العلويّ لدراسة الفكر البشريّ… والموضوع تزكية النفس

الإنسان الفرد، والإنسان المجتمع، لا شكّ أنّهما تركيبة معقّدة لم يستطع العلم ولا الفلسفة حلّ اللغز الإنسانيّ إلى يومنا هذا، نهم الإنسان هذا الإنسان الذي يعيش في الكرة الأرضيّة، والذي بدأ الانتقال رويداً رويداً وآحاداً للسكنى في كواكب المجموعة الشمسيّة بغية اكتشافها، نعم هذا المجتمع الذي تتألّف منه الدول المعاصرة في الكرة الأرضيّة، والذي يطمح الإنسان تكوينه في كواكب أخرى، قد نختلف في كثيرٍ من المفاهيم والمعارف عنهما لكن نسلّم في مشتركات بينهما ليست بالقليلة، على الأقلّ تكوّن كل مجتمع من شرائح إنسانيّة، مجموعة من البشر، إضافةً لتمتّع الإنسان بنسبةٍ عاليةٍ من معرفته جرّاء تأثّره بمجتمعه وما فيه من عاداتٍ وتقاليد وثقافة ولغة ودين وفكر، ومن جوهر هذه العلاقة نرى كون الأساس والركيزة وحجر الزاوية فيها هو الإنسان، الإنسان الشخص، فإذا امتلكنا الإنسان الذي جمع لقواه المتعدّدة القدر الكافي من معطيات النجاح والعلم والمعرفة، سنحصل قطعاً ومن دون ريب على مجتمعٍ منسجمٍ، متطوّرٍ، فالإنسان المثاليّ والنموذجيّ، يقود حتماً إلى مجتمعٍ متاليٍّ ونموذجيّ، والعكس كذلك صحيح؛ لذا كان الإنسان عبر التاريخ هو موضوع العلم والمعرفة، أو الغاية التي تستشرف الوصول إليها – وإن كانت حسب الأولويّات غاية أولى أو ثانية أو بعد ذلك -؛ وكذا الإنسان هو السرّ الذي حدا بالأديان والفلسفات إلى التركيز عليه، وجعله المحور الرئيس لنصوصها ونظريّاتها.

أهي طريقة واحدة؟ بالطبع لا، أهو اتجاهٌ واحد؟ بالتأكيد لا، هناك اتّجاهات متعدّدة وطرق مختلفة لتكوين الإنسان المعرفيّ القادر على تجاوز مشكلات المحيط وبناء واقع ومستقبل حضاريّ يمكّنه من العيش فيه مع أجياله القادمة، هي مناحٍ كثيرةٌ التي تهدف إلى صنع ذلك الإنسان الذي يستطيع النموّ وتطوير وفهم وإخضاع كلّ شيءٍ حوله لأجله، ولا نبالغ إذا قلنا إنّ كلّ الفلسفات وجّهت أفكارها وسهام معرفتها إلى هذا الكائن البشريّ لإعادة صياغته مع ما ينسج مع أفكارٍ وضعتها تعتقد كونه الأفضل لبناء الإنسان، وفي كلّ ما أسلفناه لن نجد معارضاً له إلّا من وراء أغراض أخرى.

في هذا الخضمّ، نرى أهم المعوقات التي تقودنا إلى بناء الإنسان النموذجيّ أمران، الأوّل: جملة المعارف والمكنونات الداخليّة الخاطئة، التي حصل عليها الإنسان إمّا بطريقة واعية مكتسبة، أو غير واعية ناتجة عن ترسبّات الواقع المعاش والبيئة المحيطة، والثاني: التسلّح بالقدر اللازم بالمؤهلات والصفات التي تساعده في تحقيق التقدّم والتطوّر له ولأطرافه، ولتحقيق هذين الأمرين، نحتاج إلى التخلّص من الأمر الأوّل كاملاً، وإضفاء الأمر الثاني على الموجود البشريّ، ونحن بدورنا إذا حلّلنا قضية تزكية النفس ببساطة، لن نجدها إلّا قضيةً قائمةً برمّتها على التخلّص من الأمر الأوّل، والبحث عن إيجاد الأمر الثاني، موضوعنا الذي نحن بصدده ليس هو امتلاك الإنسان نفساً مجرّدةً أم لا، موضوعنا هو كيف يستفيد الإنسان من تزكية النفس لبناء نفسه، بناء المجتمع، بناء البشريّة، كيف يؤصّل قاعدة تزكية النفس في ذاته، لتطويرها، وبالتالي تطوير المجتمع، وثمّ تطوير البشريّة، فإذا امتلك الإنسان هذا المبدأ سينتج عنه قوّة طاردة، وأخرى مستقطبة، فالطاردة يختصّ موضوعها بإزالة البؤر الخاطئة المكتسبة بقوّة الوعي أو اللاوعيّ، والمستقطِبة ترتبط ببناء قاعدة من الصفات والمعارف المؤثّرة فيه وفي غيره، جاء في القرآن الكريم: (قد أفلح من زكّاها)[1]، كما يقول سيد الأوّلين والآخرين أمير المؤمنين: (من نصب نفسه للناس إماماً فليبدأ بتعليم نفسه قبل تعليم غيره، وليكن تأديبه بسيرته قبل تأديبه بلسانه، ومعلم نفسه ومؤدّبها أحقّ بالإجلال من معلّم الناس ومؤدّبهم)[2]، وفي هذا القبيل يقول الأمير المكزون مستخدماً تعبيري التجريد واللبس كنايةً عن الأمرين السابقين:

ولما رأيت العقل يقضي لربّه    بأنّ ردا التجريد أفضل مرتدى

غدوت لأثواب التجرّد لابساً     ومن فاز بالعرفان مثلي تجرّدا[3]

[1] الشمس: 9.

[2] نهج البلاغة 4: 16.

[3] ديوان المكزون: 820.

print